أخبار دولية
نشاطات
PrintEmail This Page
فارس، ضيف الشرف في المؤتمر الخامس والأربعين للقمة المسيحية الاورثوذكسية الانطاكية - 28 تموز/يوليو 2001
توجّه نائب رئيس مجلس الوزراء السيد عصام فارس الى أوروبا، ومن ثم الى الولايات المتحدة حيث كان الخطيب الرئيسي والضيف المميّز للمؤتمر الخامس والأربعين لقمة الكنيسة الأورثوذكسية الانطاكية التي عُقدت هذه السنة في لوس أنجلوس بحضور أكثر من ثلاثة آلاف شخص. عقد فارس خلال هذه الزيارة محادثات حول لبنان ، والمغتربين اللبنانيين والشرق الاوسط.

وخلال هذه الدعوة أيضاً لبّى فارس دعوة مجلس الشؤون العالمية الذي يُعتبر أحد أهم مؤسسات الابحاث السياسية والثقافية الأميركية حيث القى خطاباً. استضاف هذا المجلس حتى الآن 130 شخصية عالمية.

استلمت الأمانة العامة للمؤتمر رسالة من الرئيس الأميركي جورج دابليو بوش والسيدة الأولى لورا بوش يعبّران خلالها عن أمنياتهما الحارة للقمة بالنجاح. تضمّنت رسالة الرئيس بوش تحية حارة الى نائب رئيس مجلس الوزراء السيد عصام فارس.

قبيل وصوله الى القمة، شدّد فارس على أهمية هذه المناسبة التي يشارك فيها آلاف القادة الروحيين الذين يمثّلون الكنيسة الاورثوذكسية الأنطاكية، ونوّه بالدور الذي تلعبه المؤسسات الروحية بالنسبة للمغتربين لتعزيز الروابط وتقوية الصلات بين المغتربين وأوطانهم. في النهاية أثنى فارس على الحضور الفعّال للكنيسة الاورثوذكسية الانطاكية في أميركا الشمالية.

وتسلّم فارس وسام الاستحقاق المذهّب تقديراً لخدماته الجيدة. s

النص الكامل لخطاب فارس
اليوم أخاطبكم كمواطن لبناني ارثوذكسي أنطاكي، وكعربي يتحسّس مشكلات منطقة الشرق الاوسط وانعكاساتها على لبنان. وأود في حفل روحي كهذا أن استعيد قليلاً من تاريخنا المجيد في المشرق العربي

نحن الارثوذكسيون الانطاكيون نسير على خطى القديسين بطرس وبولس، اللذين أسسا كنيسة انطاكية، المعروفة في التاريخ بمدينة الله . كما نسير على خطى الرسل وآباء الكنيسة الأوائل. عقيدتنا مبنية على اجماع هؤلاء القديسين والآباء الذين حددوا بوضوح مبادئ الايمان وتقاليد العبادة. الارثوذكسية تمثل الكنيسة في أجمل حلّتها، وأعمق وحدتها، وأصفى طهارتها. وفي الوقت الذي نقدّر فيه عواصم المسيحية الروحية في العالم، لا بد لنا أن نميّز انطاكية عن سائر هذه العواصم. فانطاكية هي المعقل الأول للمسيحية وهي، كما ورد في أعمال الرسل، المدينة التي سمّي تلامذة المسيح فيها "بالمسيحيين" لأول مرة. فلنتذكر ذلك دائماً، ولنحافظ على هذا التراث الانطاكي، حتى تبقى انطاكية لنا قبلة، وهداية.


نفخر بأننا مسيحيون عرب، وأننا الكنيسة الشرقية، كما أننا نفخر بتقاليدنا وقيمنا المشرقية والتي يجب المحافظة عليها، في أجواء العولمة العارمة التي تجتاح العالم وتفرض عليه قيماً غير قيمنا، قيماً تخالف المبادئ التي اعتمدناها على مر الأجيال. عندما ظهرت الدعوة الاسلامية، حوالى الستة قرون بعد المسيح، كنّا هناك للترحيب بالديانة الجديدة والوقوف الى جانبها ضد القوى الخارجية. نحن المسيحيون الأصيلون في هذه المنطقة العربية، فنحن لسنا بقادمين جدد على المسيحية ، أو المنطقة العربية. لقد كنا هناك طوال الألفين سنة الماضية وسنبقى طوال الالفية القادمة لقد وقفنا دائماً جنبا الى جنب مع اخوتنا العرب المسلمين في مواجهة القوى الخارجية التي كانت تسيطر على المنطقة في تلك المرحلة والتي حاولت، وتحاول أو قد تحاول أن تسيطر عليها منذ ذلك الحين.

لقد اعتدنا كأرثوذكسيين أنطاكيين العيش في مجتمعات متنوعة، فنحن نحترم الحضارات والديانات الأخرى. نحن لا نفرض أنفسنا على الغير، ولكننا لن نقبل من الغير أن يفرض نفسه علينا. وفيما لا نزعج الآخرين، الا أننا نرحّب بكل الذين ينضمون الى الكنيسة الاورثوذكسية الانطاكية بملء ارادتهم وبكامل حريتهم . في أميركا الشمالية وبرعاية المطران فيليب، ما زلنا نرحّب بالقادمين الجدد الى كنيستنا ، وأود انتهاز الفرصة لأرحّب بأولئك الموجودين معنا هذا المساء.

نحن، كما تعلمون، أقلية عددية في بلدان الشرق الاوسط وفي بلاد الاغتراب. ولكننا نرفض رفضاً باتاً أن نفكر، أو أن نعمل على أساس أننا اقليات. لقد كنا ولم نزل في صميم العمل السياسي والوطني في كل بلد نتواجد فيه.

. وفي كل الحركات القومية الكبرى في العالم العربي كنا دائما في الطليعة، وتاريخنا في لبنان، وسورية، والاردن وفلسطين خير شاهد على ذلك. خلال الحرب اللبنانية التي مزّقت البلاد، لعب القادة من الكنيسة الاورثوذكسية الانطاكية دوراً مهماً في إرساء السلام في لبنان. فمن بين جميع الاقتراحات التي تقدّمت بها المجتمعات اللبنانية لوضع حد للحرية، برزت المبادىء التي تقدّم بها القادة من مجتمعنا الاورثوذكسي الانطاكي في 18 تشرين الاول/أوكتوبر 1983 . في ذلك الوقت أعلننا التالي:
  • ان لبنان وطن نهائي لكل أبنائه. لا تقسيم، لا تجزئة، ولا كنتونات.
  • ان لبنان جزء متكامل من العالم العربي
  • ان لبنان دولة سيدة مستقلة بحدودها المعترف بها دولياً.
  • ان نظام الحكم في لبنان ديمقراطي جمهوري برلماني يرتكز على الحريات الاساسية
  • يعتبر لبنان مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الانسان كاملة، جزءاً لا يتجزأ من دستوره
  • يتم تحديد مستقبل لبنان بالتوافق بين جميع اللبنانيين – المسيحيين ومنهم المسلمين.

ويسرني أن أبلغكم أنّ هذه المبادئ التي أعلنّاها سنة 1983 قد تبنتها "وثيقة الطائف" التي وقّعها لبنان سنة 1989 وأدّت الى إرساء السلام في لبنان.

صحيح أنّ لبنان أحرز تقدما ملحوظا منذ نهاية الحرب الداخلية سنة 1990، ولكنه لم يزل يواجه صعوبات كثيرة، وهذا طبيعي لبلد عرف حرباً استمرت على مدى عشرين سنة. إنّنا نعمل بكل ما أوتينا من قوة لإصلاح الضرر في جميع القطاعات – الخاصة والعامة. نحن نحاول تطبيق الاصلاح في أشد الظروف الوطنية والإقليمية صعوبةً.

أمّا فيما يتعلّق بالشرق الأوسط، فبعد خمسين سنة من الصراع العربي الاسرائيلي المستمر، من حق منطقتنا أن تنعم باسلام، وهي تستحق الاهتمام الدائم والتعاطف من الولايات المتحدة. نحن في لبنان، نعمل معاً لمواجهة الضغوطات الإقليمية وإرساء سلام عادل وشجاع في المنطقة. ففي ظل هذا السلام فقط، سيتمكّن لبنان من إرساء الإستقرار الذي يحتاجه للعب دور قيادي في تعزيز قضايا الحرية والإزدهار في المنطقة.

إنّ السلام الإقليمي الذي نسعى إليه يجب أن يشمل:
  • الانسحاب الاسرائيلي من جميع الاراضي العربية المحتلة.
  • نزع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.
  • قيام دولة فلسطين مستقلة، عاصمتها القدس.
  • حق اللاجئين الفلسطنيين بالعودة الى منازلهم، الى دولة فلسطين الجديدة والتعويض لهم على الخسائر التي تحملوها.
تعلمون مثلي تماماً أنّ هذه المبادىء، وعلى الرغم من كونها عادلة وحقة، لن تُطبّق من دون تدخّل أميركي مثابر وحازم. فدوركم في هذا المجال جوهري.
فالشرق الأوسط شديد الاهمية للولايات المتحدة الاميركية لتتركه يتخبّط في تناقضاته. فهو منبع الديانات السماوية الثلاث، وهو منطقة استراتيجية تصل ما بين القارات الثلاث. وهو يضم الخزان النفطي الأكبر في العالم وبالتالي فهو يعتبر محرّك اقتصاد العالم. فاستقرار الشرق الأوسط ضرورة ملحّة لاستقرار النظام العالمي. فباستطاعة الصراع العربي الاسرائيلي، إن بقي من دون محاولة ضبطه أن يؤدي الى حرب إقليمية لا يمكن احتواء مدّها العالي.

واننا، كارثوذكسيون، معنيون بهذا الصراع. فلطالما حملنا قضايا المنطقة الوطنية المحقّة، والآن واجبنا الأخلاقي يدفعنا الى دعم سلام عادل، سلام يعترف بكامل حقوق شعوب لبنان وسوريا وفلسطين.

فالفرصة سانحة أمامكم كأميركيين وكنديين للتأثير على صانعي القرارات في البلدين. أمامكم فرصة لتنوير قادتكم حول المسائل الجوهرية التي تواجهها البلدان التي تتحدّرون منها. أمامكم فرصة لصنع الفرق فيما تفعله أميركا وكندا في منطقتنا من العالم.

وبالتالي، إسمحوا لي الليلة أن أتحدّاكم لتشاركوا. إن أنخرطتم أكثر في النظام، تصبحون مواطنين أفضل. أنا لا أطلب منكم أن تكونوا أقل ولاءً لأميركا أو كندا. على العكس، أنا أرجوكم أن تصبحوا أكثر ولاءً لأميركا وكندا من خلال مساهمتكم أكثر.

كما أود أن أتوجّه الى شقيقاتنا وأشقائنا الأميركيين. أنتم تعيشون في هذه البلاد العظيمة، فبلادكم هي الدولة الأعظم في العالم، وهذا يزيد الى التحديات التي تواجهونها والى واجباتكم بعداً ومسؤولية لا تتوفّر لغيركم من المسيحيين الأورثوذكسيين الانطاكيين في العالم.
وكلما ساهمتم في التأثير على القرارات كلما تقوى أواصر مواطنيتكم في الولايات المتحدة، وكلما ازداد الدور الاميركي العادل في الشرق. لا شك أنّ وجودكم في الدولة الاعظم في العالم، هو فرصة تاريخية سانحة غير مؤمّنة لغيركم من الارثوذكسيين المنتشرين في سائر بقاع العالم.

إننا نتوق الى سلام عادل، ولكل دول المنطقة.

إننا نتوق الى الحرية، والى احترام حقوق الانسان لكل شعوب المنطقة.

إننا نتوق الى ازدهار اقتصادي يؤمن العيش الكريم لكل شعوب المنطقة.

لتحقيق هذه الاهداف السامية، والتوصّل الى إرساء السلام والديمقراطية والازدهار نحن نحتاج الى دعم الولايات المتحدة. ولا يمكننا تحقيق هذه الأهداف سوى إن كنتم مستعدون لمد يد المساعدة، إن أصبحتم أكثر انخراطاً، إن أصبحتم مواطنين أميركيين أفضل.