أخبار دولية
سلسلة محاضرات جامعة تافتس
PrintEmail This Page
جايمس بايكر: المصالح الأميركية في الخليج الفارسي والشرق الأوسط
 


بايكر وفارس خلال سلسلة محاضرات تافتس العائدة للعام 1996



التّاريخ: 30 تشرين الثّاني/أكتوبر 1996- المكان: جامعة تافتز في بوسطن
المحاضر: وزير الخارجيّة الأميركي السّابق جايمس بايكر

كانت قاعة المحاضرات الكبرى في جامعة تافتز في بوسطن تغصّ بالحضور اذ تهافت جمهور عريض للاستماع إلى مهندس مسيرة السّلام في الشّرق الأوسط، وزير خارجيّة الولايات المتّحدة السّابق جايمس بايكر الذي تكلّم على "المصالح الأميركيّة في الخليج الفارسي والشّرق الأوسط". وكان من بين الحضور معلمون وإداريون من الجامعة وديبلوماسيون ومتخصّصون في شؤون الشّرق الأوسط وطلاّب ورجال أعمال وصحافيّون بالإضافة إلى عدد من الشّخصيّات اللّبنانيّة البارزة.

استهلّت الدكتورة ليلى فوّاز عميدة معهد فلتشر بكلمة ترحيب بالحاضرين ثم ألقى رئيس الجامعة الدكتور جون دي بياجيو خطاباً أشاد فيه بجهود السيّد بايكر المبذولة في سبيل السّلام. وعبّر عن عميق شكر الجامعة للسّيّد فارس على دعمه وعلى الاهتمام المتواصل الذي يوليه لسلسلة المحاضرات هذه. وأشار إلى مساهمة السيّد فارس المهمّة في تعزيز الفهم الدّولي للقيم الانسانيّة والتّاريخيّة والمعاصرة لوطنه لبنان.

مقتطفات من خطاب السيّد فارس::

إنّ مسيرة السّلام في الشّرق الأوسط هي من دون شك المسألة الأهمّ في عصرنا الحالي فهي الى حدّ بعيد محور العلاقات الدّوليّة وتتّصف بأهمّيّة قصوى في العلاقات التي تربط الولايات المتّحدة بروسيا وبآسيا كما ترتبط بأمن واستقرار الملايين من الأشخاص في المنطقة.

يشرّفنا وجود مهندس مسيرة السّلام جايمس بايكر بيننا في هذا المساء. فوزير خارجيّة الولايات المتّحدة السّابق نجح في جمع أطراف النّزاع في المنطقة حول طاولة المفاوضات لاطلاق مسيرة السّلام. وسيعرض لنا السيّد بايكر في خطابه "المصالح الأميركيّة في الخليج الفارسي والشّرق الأوسط" وهو موضوع مرتبط جوهريّاً بمسيرة السّلام.

يوافق رجال السّياسة الأميركيّون على اعتبار مصالح الولايات المتّحدة في المنطقة والشّرق الأوسط هي التّالية:

1) حماية نفط الخليج؛ 2) ضمان نقله إلى الأسواق الأميركيّة وأسواق حلفائها؛ 3) ضمان سلامة الخطوط الجوّيّة والبحريّة في المنطقة؛ 4) دعم الأنظمة العربيّة الموالية للأميركيّين؛ 5) دعم اسرائيل؛ 6) تشجيع الدّيموقراطيّة في المنطقة؛ 7) السّعي إلى إقامة نظام جديد موالٍ للأميركيّين في شرق أوسط ينعم بالسّلام.

إنّ سياسة أميركا الخارجيّة مرهونة من دون أدنى شكّ بمصلحة البلاد الوطنيّة على أنّنا نأمل أن تكون المصالح الوطنيّة في بلد ديموقراطي مثل أميركا مستندة دائماً إلى قِيَم معنويّة كالحرّيّة والعدالة والمساواة وهي القيم نفسها التي طبعت مؤسّساتها السّياسيّة والاجتماعيّة منذ تأسيس هذه الدّولة قبل 200 عام.

إنّ بلدي لبنان هو أيضاً بلد ديموقراطي ورث نظاماً من القيم السّياسيّة والانسانيّة والثّقافيّة القائمة على العدالة والحرّيّة والمساواة منذ ستّة آلاف سنة.

وإذا كان لبنان بلداً صغيراً فهو كبير جداً بالأهداف الطّموحة والانجازات الضّخمة التي حقّقتها الجالية اللّبنانيّة الكبيرة أينما حلّت سواءً في المنطقة أو في سائر أنحاء العالم. وتأثيرها النّوعي أكبر بكثير من قيمتها الكمّيّة المتواضعة فلبنان نفسه تحوّل بفضل المهارات والطّاقات اللّبنانيّة إلى مركز اقليمي للأفكار السّياسيّة وبيروت إلى العاصمة الفعليّة للعالم العربي في المجالات الثّقافيّة والسّياسيّة والايديولوجيّة ومنتدىً حرّ في خدمة المنطقة.

بعد حرب طويلة ومدمّرة هي وليدة نزاعات إقليميّة عالقة وتناقضات دوليّة انطلق لبنان في مسيرة التّنمية والإعمار. وقد حقّق هذا التحدّي الضّخم بفعل المساعدة المستمرّة لسوريا البلد الشّقيق والصّديق وبفضل الجهود العربيّة والدّوليّة. والواقع أنّ الولايات المتّحدة وأوروبا ساهمت إلى حدّ كبير في تصميم عدد كبير من المشاريع وضمان تنفيذها.

إنّ مسيرة السّلام بالنّسبة إلينا هي الأولويّة القصوى والكثير من أنشطتنا السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة مرهونة بها. في الواقع كان من المفترض أن تنسحب اسرائيل بلا قيد أو شرط من لبنان بموجب القرار 425 الصّادر عن مجلس الأمن في الأمم المتّحدة لكنّ إسرائيل تماطل وتحاول تقديم اقتراحات تكتيكيّة في إطار مسيرة السّلام منكرةً على لبنان حقّه باسترجاع أراضيه المحتلّة وممعِنَةً في الاعتداء المسلّح على شعبنا في الجنوب والبقاع لتأخير انسحابها أكثر فأكثر.

على مسيرة السّلام في الشّرق الأوسط أن تضمن لكلّ دول المنطقة الحياة ضمن حدود آمنة ومعترَف بها دوليّاً. نريد سلاماً عادلاً، سلاماً يؤمّن الاستقرار على المدى الطّويل. ونتمنّى أن يُفضي ذلك تدريجاً إلى قيام أنظمة ديموقراطيّة واقتصاد حرّ وروح المبادرة التي تفتح أسواق المنطقة على مصراعيها.

والسّلام سيسمح للبنان باستعادة دوره المركزي في الشّرق الأوسط لا سيّما تقديم خدماته الممتازة في مجال الدّراسات الجامعيّة ومراكز العناية الطبّيّة والسّياحة والثّقافة والمصارف وخدمات تجاريّة أخرى. وسيشجّع السّلام بالتّأكيد عدداً كبيراً من أبناء الجالية اللّبنانيّة على العودة إلى وطنهم الأمّ والمشاركة في إعماره سواءً عبر استثماراتهم الماليّة أو من خلال مواردهم الانسانيّة.

وإذا كانت الولايات المتّحدة يا سيّد بايكر ترغب فعلاً في أن تتقدّم مسيرة السّلام عليها تركيز المزيد من جهودها على لبنان وسوريا فلا سلام من دون سوريا في المنطقة ولا استقرار فيها من دون لبنان. وفي الوقت الذي يجري فيه الدّيبلوماسيّون الأميركيّون جولاتهم المكّوكيّة من مدينة إلى أخرى في الشّرق لايجاد حلّ للأزمة عليهم ألاّ يغفلوا مناقشة المسؤولين في لبنان الّذين يعكسون دوماً الجوّ العام السّائد في المنطقة ككلّ.

إنّ المصالح الأميركيّة في المنطقة ليست بالضّرورة مناقضة لمصالحنا شرط أن تنظروا إلى مصالحكم على ضوء المبادئ الخلقية الّتي تتّصف بها حضارتكم الدّيموقراطيّة.

حافظوا على النّفط ولكن حاولوا أن توجّهوا ايراداته نحو التّنمية الانسانيّة وتحسين مستوى معيشة شعوب المنطقة. احموا خطوط العبور الاستراتيجيّة ولكن لا تنسوا أنّ شعوباً تعيش في هذه الدّول وأنّ لهذه الشّعوب تاريخها الخاص وحضارتها الخاصّة وكبرياؤها. شعوب لا تزال متعلّقة بقيمها وتحترم تقاليدها؛ شعوب تملك طاقة كبيرة على الأعمال الخيّرة إذا تقرّبتم منهم بصدق وحسن نيّة.

أنتم أحرار في دعم اسرائيل لكنّ هذا الدّعم يجب ألاّ يتمّ على حساب حيادكم كوسيط ولا على حساب حقوق باقي بلدان وشعوب المنطقة. يجب أن يتمّ هذا الدّعم على أساس أنّ لكلّ دولة حقوقاً ويترتّب عليها واجبات أيضاً. إذا كانت اسرائيل صديقة الولايات المتّحدة فهذا لا يعني أنّ العرب أعداء الولايات المتّحدة. اعملوا من أجل نظام جديد في المنطقة لإعادة توزيع الثّروات الطّبيعيّة ولكن دعونا نعمل معاً لوضع هذا النّظام الجديد.




بايكر، يمكن لمسيرة السلام ان تحقق تقدماً او تراجعاً، فتواجه المنطقة خيار السلم او العنف


ملخّص لخطاب بايكر::

تكلّم السيّد بايكر على المصالح الأميركيّة في الخليج الفارسي والشّرق الأوسط وشدّد بشكل خاص على ملاحظاته حول مسيرة السّلام العربيّة الاسرائيليّة.

استهلّ خطابه بتحيّة لبنان على دوره البنّاء في مسيرة السّلام والثّناء على طموح شعبه الذي يُعتبر عصام فارس مثالاً حيّاً عليه. وأشار إلى أنّ اللّبانيّين أينما حلّوا يشيعون حولهم الطموح والنّجاح والقيم الانسانيّة النّابعة من وطنهم الجميل والمضياف. ثمّ عرض السيّد بايكر بالتّفصيل مبادرة السّلام في الشّرق الأوسط التي انطلقت أبان مؤتمر السّلام في مدريد وكشف عن الاهتمام الكبير الذي يستمرّ في إيلائه لهذه المسألة الحيويّة منذ تعيينه في منصب وزير الخارجيّة.

تذكّر زياراته للرّؤساء السّابقين نيكسون وكارتر وفورد ومناقشته معهم فرص إحلال السّلام بين العرب والاسرائيليّين موضحاً أنّ الرّئيس نيكسون قال له أثناء حديث بينهما في هذا الخصوص: "أنصحك بعدم التّطرّق إلى الشّرق الأوسط أو إلى أزمته فهذه مشكلة لا حلّ لها وكلّ الّذين يحاولون الاهتمام بها قد يحرقون أصابعهم".

وإذ أشار إلى أنّ تاريخ اليوم يصادف تاريخ الذّكرى الخامسة لانطلاق مبادرة السّلام في مدريد قال إنّ هذه المسيرة لم تتوقّف عن التّطوّر خلال السّنوات الأخيرة بالرغم من المصاعب الكثيرة التي اعترضتها. ولكنّ اليوم وبعد فوز نتنياهو في الانتخابات الاسرائيليّة تشهد هذه المسيرة انهياراً جدّيّاً بالرّغم من التّقدّم المهمّ الّذي تحقّق في السّنوات السّابقة.

وذكّر بأنّ المرحلة الأولى من مسيرة السّلام تحقّقت بفضل الجولات المكّوكّيّة التي قام بها في المنطقة مع معاونيه لاطلاق محادثات في العمق مع قادة الدّول المعنيّة وتكلّل هذا الجهد بمؤتمر مدريد. جرت المفاوضات الأولى بين العرب والإسرائيليّين في نهاية الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو وعقب احتلال الكويت وبروز أزمة الخليج وفي تلك المرحلة بالذّات تحدّدت هيكليّة مسيرة السّلام. فاسرائيل كانت يومها تواجه مشاكل مع "حماس" والاسرائيليّون كانوا لا يزالون يؤيّدون السّلام ويسعون إلى إحلاله.

وأضاف قائلاً: "لولا موافقة سوريا والموقف الايجابي الذي وقفه الرّئيس الأسد لمَا انطلقت مسيرة السّلام. فبموافقة سوريا على هذه المباردة لم يعد أمام اسرائيل أيّ حجّة لرفض المشاركة فيها. والمشكلة الحقيقيّة الآن ليست بين العرب والاسرائيليّين بل هي بين المتطرّفين من كلا الطّرفين. وبسبب هذا الوضع يمكن لمسيرة السّلام أن تتقدّم أو على العكس أن تتراجع وسيكون على دول المنطقة أن تختار بين السّلام والعنف".

ثمّ أكّد السيّد بايكر أنّ إحراز أي تقدّم في هذا المجال يستدعي من الولايات المتّحدة موقفاً حازماً يقدّم دعماً معنويّاً للأطراف المعنيّة ويضمن لها حمايتها لتطبيق مسيرة السّلام وتنفيذ التزامات الفريقين. وإذا كانت اسرائيل دولة ديموقراطيّة حقاً، وهي كذلك بلا شك، فعليها احترام الاتّفاقات الموقّعة بين الاسرائيليّين والفلسطينيّين والدّول العربيّة.

وأشار السيّد بايكر من جهة أخرى إلى الخطر الذي يمثّله وجود نتنياهو على رأس الحكومة الاسرائيليّة وأكّد أنّ مسيرة السّلام تدهورت إلى حدّ كبير منذ استلاّم الليكود الحكم في إسرائيل ولا سيّما منذ تعليق المفاوضات مع لبنان وسوريا.