أخبار دولية
سلسلة محاضرات جامعة تافتس
PrintEmail This Page
كولن باول: إدارة الأزمات والتغيير: الشرق الأوسط



فارس: "إن السبيل إلى تحقيق سلام عادل يقضي بالاعتراف بالقرارات الأساسية المنبثقة عن الأمم المتحدة"


افتتحت للسنة السادسة على التوالي سلسلة محاضرات عصام فارس في جامعة تافتس في بوسطن واستضافت الجنرال كولن باول وتناولت "السلام الدائم في الشرق الاوسط". سبق المحاضرة حفل تكريم لنائب رئيس الحكومة اللبنانية عصام فارس حيث منحه مجلس امناء الجامعة درجة الدكتوراه الفخرية في الشؤون الدولية تقديراً من الجامعة ومجلس أمنائها لما يتمتع به نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس من صفات ولما بذله من جهود في خدمة المؤسسات الثقافية وطلابها والقضايا الإنسانية والعلاقات الدولية في لبنان وفي غيره من الدول وخاصة في الولايات المتحدة كانسان وكسياسي وكرجل اقتصاد ورب عائلة.


كلمة عصام فارس في مناسبة تسليمه الدكتوراه الفخرية

من كل الأوسمة والشهادات التي يتلقّاها الشخص في حياته العامة، هناك دائماً شرف واحد يتميز عن غيره. وهذا الشرف بالنسبة لي هو دكتوراه شرف من جامعة تافتس. هذه لفتة كريمة لن أنساها مدى الحياة.
اسمحوا لي أولاً أن أعبّر عن عميق شكري لمجلس أمناء جامعة تافتس لمنحي أعلى وسام أكاديمي تقدمه جامعة، و هو دكتوراه شرف. كما أودّ أن أشكر الرئيس جون دي بياجيو وأساتذة وإدارة هذه الجامعة العريقة لمنحي فرصة العمل معهم في دعم مسيرة التعليم العالي والتقارب بين الحضارات.

لقد واجهت أميركا، منذ نشأتها، تحدّي استكشاف آفاق جديدة.  وفي العقود الأخيرة، تخطّى الإنسان قيود الجاذبية ووصل إلى القمر وأرسل سفنه الفضائية الى القمر والى الكواكب وما وراءها. إذا كانت هذه آفاق القرن العشرين، فما هي آفاق القرن الواحد والعشرين؟ سيستمّر طبعاً تطوّر العلم في دراسات الفضاء والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. لكن التحدّيات الجديدة التي سنواجهها في المستقبل تقع خارج الحقل المادّي، فهي في حقل العلاقات الإنسانيّة وفي إمكانية تحقيق العيش المشترك بين الشعوب. تكمن التحدّيات الجديدة في هدم الجدران التي تفصل بين الأديان، والأمم، والحضارات. فالمهم في هذه التحديات هو أن نمدّ جسراً، ليس فوق نهر من ضفة إلى أخرى، بل من دولة إلى دولة، ومن حضارة إلى حضارة. في مجال العلاقات بين الشعوب لم نزل نعيش في أجواء الخوف من الاخر والتشكيك بالنوايا وبحب الاستغلال والسيطرة. فالتحدي هنا هو أن ننظر إلى الآخر بموضوعية وان نعترف به ونقدره بما يمثل وما يعتقد.

لا يزال العالم اليوم يتميّز بتعدّد الجماعات، والقبائل، والدول، والحضارات. وسيبقى كذلك. فالتحدّي في القرن الواحد والعشرين هو كيف نؤمن الوحدة من ضمن التعددية وكيف نؤمن قيام عالم متجانس تحافظ كل حضارة فيه على قيمها الحيوية، و كيف نكتسب موهبة التسامح، وحكمة التواضع، وتأمين المصالح الإنسانية الكبرى، لا بل انتزاعها من براثن المصالح الضيقة المتضاربة. ولعلّ جامعة تافتس، بما لها من موقع ريادي، هي من أفضل المؤهلين لشق طريق جديدة في هذا المجال الهام.

لا شك عندي أن جامعة تافتس ستتابع، بالتعاون مع الجامعات الأخرى، بذل جهودها في هذا الاتجاه. هناك عقبات يجب تخطيها وقمم يجب تسلّقها. وهذا ممكن. لقد حققنا معجزات على الصعيد العلمي الصرف. وبالإمكان أيضاً أن نحقق معجزات على صعيد الإنسانية جمعاء. أودّ في الختام أنّ أكرر شكري لجامعة تافتس على منحي هذا الشرف، متمنياً لها استمرار التقدّم في مجال الدراسات العليا خدمة للعلم وللعلاقات بين الشعوب وللقيم الإنسانية.


المحاضرة

خطاب عصام فارس

يشرفني ان أرحب بالجنرال كولين باول في سلسلة محاضرات عصام فارس في جامعة تافتس.
إن مشاركتك، يا حضرة الجنرال بصفتك رجلاً ارتقى في صفوف الجيش الاميركي وشغل أعلى المناصب وعالج مباشرة قضية الحرب والسلم في الشرق الأوسط تتسم بأهمية بالغة في هذه المرحلة الدقيقة في منطقتنا.

ان هدف سلسلة محاضرات عصام فارس في هذه الجامعة هو دفع قضية السلام إلى الأمام على أساس العدالة. فالسلم الذي لا يأخذ بعين الاعتبار العدالة و قضايا حقوق الإنسان عامة، لا يمكن أن يدوم. يمكن بالطبع فرض السلام دون أن يكون مرتكزاً على أسس عادلة ولكنَّ هذا السلام لن يدوم. ولذلك يجب أن نتذكر دائماً هذا المبدأ خلال بحثنا عن السلام الدائم في منطقة الشرق الاوسط.
ويهمني كلبناني أن اعطي اهتماماً خاصاً للسلام في منطقة الشرق الأوسط وان اذكِّر من هذا المنطلق بالدور المحوري الذي يمكن للولايات المتحدة ان تلعبه. ان مصير لبنان هو جزء لا يتجزأ من مصير المنطقة. وما لم يعم السلام في المنطقة، لن ينعم لبنان بسلام حقيقي، ولن تنعم المنطقة بسلام حقيقي دون سلام عادل في لبنان. لقد عانى لبنان من حرب استمرت على مدى عقدين، حملت معها التجزئة والدمار والحرمان. واصبح لبنان من بعدها يقدر اهمية السلام واولوية الاستقرار.

لقد علمتنا التجربة في لبنان انه لا يمكننا ان نؤمن السلام دون ان نأخذ مصالح كل الفرقاء المعنيِّين بعين الاعتبار وتعلمنا أيضاً ان هناك فرقاء كبار وفرقاء صغار ولكل منهم موقع ودور وتصورات لا يمكن ان نتجاهلها.ولن ننسى ان واشنطن أكثر من أية عاصمة اخرى تتمتع بالنفوذ والعلاقات الواسعة مع كل الاطراف وتتحمل مسؤولية كبرى في عملية السلام في الشرق الأوسط. إلا أن واشنطن لوحدها لن تتمكن من تحقيق كل ما تحتاجه عملية السلام. يمكن لواشنطن ان تنسق بين الفرقاء وتشجعهم وتوجههم، وتطرح بدائل للحل ولكن السلام يحتاج الى مداخلة فعالة من الاطراف المعنية في الازمة المتوسطية. السلام المجتزأ مصيره الفشل. ورغم الاتفاقات الموقعة مع كل من مصر والاردن ومع السلطة الفلسطينية، لم نتوصل بعد الى السلام المنشود لا بل نتقهقر الى الوراء. ان السلام الذي نريد لن يتحقق ما لم تحل جميع المسائل الأساسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية على أسس خلقية عادلة، وما لم تراع مصالح سوريا ولبنان.

عندما نسعى فقط الى حلول متسرعة على المدى القصير، يمكن للواحد منا ان يطلق العنان للكلام العاطفي غير المسؤول وفي مثل هذه الحالات قد يفرض القوي سلماً ولكنه لن يدوم. وقد يقبل الضعيف بأقل مما هو عادل ولكنه لن يحظى بدعم شعبه له. إن كلاً من هذين الطريقين يقود الى الفشل. وحوادث تشرين الاول في القدس والضفة الغربية، ما هي إلا مثال حي عن هذا الفشل. من جهة أخرى، لا يمكننا في الشرق الأوسط ان نفصل بين الدين والسياسة. فالرمز الديني هو واقع قوي راسخ، واقع يحرك جماهيراً ويغذي روافد العنف، ويسقط انظمة.
وفي عملية السلام في المنطقة تلتقي كل الرموز الدينية – اليهودية منها، والمسيحية – والاسلامية. وانطلاقاً من الاشكالات الدينية في مدينة القدس ومن اهمية المنطقة من النواحي الاستراتيجية والاقتصادية، لا يجب ان تقتصر جهود السلام على الولايات المتحدة فحسب، بل يجب ان تشارك فيها الامم المتحدة، وروسيا، وأوروبا، والعالم العربي- الإسلامي. ان مفتاح السلام كما نراه هو الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة الأساسية، والعمل على تطبيقها. وتشكل الاتفاقات حول الارض والمياه والتجارة قاعدة أساسية، وشرطاً ضرورياً لازماً لسلام دائم. لكننا بحاجة بالأخص الى أن يبدي جميع الفرقاء استعدادهم للاعتراف بالآخر وتقبل التنوع القائم والتحلي بالحكمة والتواضع اللازمين للعيش المشترك.
لا زلنا في بداية الطريق. فعملية السلام في منطقتنا عملية طويلة. صحيح أننا حققنا بعض المكاسب. لكن علينا ان نطمح الى تحقيق المزيد منها. فنتقدم خطوة خطوة، هادفين الى السلام الحقيقي الذي تحتاج إليه شعوب المنطقة وتستحقه بعد عذاب طويل.

إسمحوا لي أن أرحب مجدداً بالجنرال باول على هذا المنبر، وأن أشكره على مساهمته في هذه السلسلة الهامة. لقد واجه الجنرال باول عقبات كثيرة في حياته وتمكن من تجاوزها. ولا شك انه يتفهم العقبات الكثيرة التي تعترض مسيرة السلام في الشرق الاوسط والتي لا بد من تجاوزها للانتقال من اجواء العنف والحرب الى اجواء الاستقرار والسلام والازدهار.


كلمة الجنرال كولن باول

وبعد كلمة نائب رئيس الحكومة اللبنانية السيد عصام فارس القى الجنرال كولن باول خطاباً اشاد في مستهله بما يجمع بينه وبين نائب رئيس الحكومة اللبنانية عصام فارس من نضال ومثل وتمسك بالمبادئ الأخلاقية والوطنية وخدمة المجتمع، والالتزام بمساعدة الأجيال.
وهنأ باول السيد فارس بمنصبه الجديد نائباً لرئيس الحكومة اللبنانية متمنياً له النجاح في مهامه الجديدة، ومتمنياً للبنان أن يتمتع قريباً بسلام دائم يتحقق في ظله الرخاء والازدهار والنمو ونيال كل حقوقه المشروعة.




باول: أنا مهتم كل الاهتمام بالوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما مسيرة السلام"


وأضاف باول بأن موضوع الشرق الأوسط يهمه كثيراً وتهمه بصورة خاصة عملية السلام في هذا الجزء من العالم لان لا بديل لدول وشعوب المنطقة عن المفاوضات وعن السلام، لان العنف لا يحل المشاكل، بل من شأنه ان يزيد هذه المشكلة تعقيداً، ولان المفاوضات بين الأطراف المعنية من شأنها ان تحقق التقارب بين الآراء المختلفة.

واضاف باول ان الأجواء العالمية تبدلت بعد زوال الاتحاد السوفياتي، وقد اصبح العالم متمسكاً بالنظام الحر، وبالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، والولايات المتحدة تعتبر ذاتها مسؤولة الى جانب العالم الحر عن الأمن والسلام، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط حيث دعت الأطراف المعنية الى التفاوض لاحلال السلام بعد مبادرة مدريد.

ووافق باول كلياً نائب رئيس الحكومة اللبنانية على المواقف التي عبر عنها ببلاغة بالنسبة للحلول للمنطقة من اجل التوصل الى حل عادل وشامل يؤمن السلام للمستقبل البعيد وبصرف النظر عمن سيفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية مرشح الحزب الديمقراطي نائب الرئيس آل غور او مرشح الحزب الجمهوري جورج بوش، فان الإدارة الأميركية ملتزمة بعملية السلام في الشرق الأوسط وهذا الالتزام لن يتبدل او يتغير بتغيير الإدارة الأميركية.

وباول كان عقد مؤتمراً صحافياً في جامعة تافت في مدينة بوسطن أعرب فيه عن اخلص تمنياته وتهانيه الى نائب رئيس حكومة لبنان عصام فارس بعد توليه منصبه الجديد ومسؤولياته. كما تمنى باول لفارس وللحكومة اللبنانية الجديدة ولكافة القيادات اللبنانية النجاح خصوصاً في خلال المرحلة الصعبة التي يواجهها لبنان والمنطقة.

ورداً على سؤال عن سبب وصف باول للمرحلة المقبلة بالصعبة، اجاب: على أثر الأحداث العنيفة التي شهدنا فصولها في المنطقة أخيراً أظن بأن الوقت قد حان لكي يتقدم كافة القادة للتشاور لاجل وضع حد لاعمال العنف.. وان أي عمل عسكري – قال باول- سواء في لبنان، أم في الجوار من شأنه ان يعرقل اكثر مسيرة السلام.. ولذلك فان وقت التشاور والحوار حان لكي يتشجع القادة المعنيون بالسلام للحوار والتشاور مع بعضهم البعض ولبذل كافة الجهود المطلوبة لوضع حد لاعمال العنف.