أخبار دولية
سلسلة محاضرات جامعة تافتس
PrintEmail This Page
فاليري جيسكار ديستان: مساهمة الاتحاد الأوروبي في مسيرة السلام والتنمية في الشرق الأوسط



المكان: جامعة تافتز، بوسطن
المحاضر: الرّئيس الأسبق لفرنسا فاليري جيسكار ديستان

في الكلمات الاستهلاليّة نوّه رئيس جامعة تافتز الدكتور جون دي بياجيو وعميدة معهد فلتشر الدكتورة ليلى فوّاز بمبادرة السيّد عصام فارس ودعمه الكريم والمتواصل لسلسلة المحاضرات السّنويّة الّتي تقام باسمه في الجامعة... ففي كلّ سنة يسمح هذا الحدث بدعوة خطباء عالميّين بمن فيهم رؤساء دول ليعبّروا عن رأيهم في مختلف القضايا المتعلّقة بالشرق الأوسط.

أمّا السيّد عصام فارس فرحّب في خطابه بالرّئيس فاليري جيسكار ديستان رئيس فرنسا السّابق وحيّا فيه رجل الدّولة الذي يتمتّع بخبرة سياسيّة واسعة جدّاً على الصّعيدين الوطني والدّولي. وإذ اشاد السيّد فارس بمساهمات الرّئيس ماضياً وحاضراً في بناء أوروبا موحّدة تمنّى أن يكون لجهود فرنسا في توطيد السّلام والوحدة والازدهار في لبنان والشّرق الأوسط الفعاليّة نفسها الّتي كانت لها في توحيد اوروبا.


مقتطفات من خطاب السيّد فارس: :

إنّ الرّئيس فاليري جيسكار ديستان بصفته شخصيّة بارزة في وضع أطر الاتحاد الاقتصادي الأوروبّي وعضواً فعّالاً في برلمانه عمل بلا كلل على توحيد الاقتصاد الأوروبي وتمتينه. وهو مقتنع بأنّ فرنسا بما لها من خبرة على مرّ العصور المتعاقبة في مسيرة الحكم الدّيموقراطي، يمكنها أن تمثّل دوراً متقدّماًَ في وضع أطر مستقبل أوروبا الموحَّد، المزدهر والدّيموقراطي.

بصفتي رجلاً من الشّرق الأوسط وخصوصاً بصفتي لبنانيّاً فإنّي مقتنع بأنّ خطيبنا الموقَّر هو الوحيد القادر على التّحدّث في شأن همومنا الحاليّة. وما حقّقه لفرنسا ولأوروبا هو بالضّبط ما نأمل في تحقيقه للبنان والشّرق الأوسط. عمل جاهداً لإعادة إرساء روح المواطنيّة والتّوازن في السّياسة الفرنسيّة ونحن نسعى إلى استعادة المواطنيّة والشّرف في السّياسة اللّبنانيّة بعد مرحلة الحرب الأهليّة الطّويلة. واليوم يعمل الرّئيس جيسكار ديستان بكدّ على بناء أوروبا يسودها الانسجام والتّكامل وهذا بالتّحديد ما ينقصنا في الشّرق الأوسط: الانسجام والتكامل. إليكم نتوجّه سيّدي الرّئيس للاستفادة من نصائحكم ومشورتكم.

لقد اضطلعت فرنسا بدور فريد ومركزيً في تنمية بلدنا وفي إنشاء دولة لبنان الحديثة. إنّنا نقدّر اهتمام فرنسا التّاريخي برفاهنا الوطني ونقرّ به كما أنّنا من جهتنا نشعر بتقارب ثقافي خاص مع بلدكم ولا شكّ عندي بأنّ فرنسا في ظلّ الرّئيس شيراك ستواصل بل ستوطّد هذه العلاقة التّاريخيّة المثمرة والخاصّة.

نريد النّهوض مجدّداً بلبنان ونريد المشاركة في بناء شرقٍ أوسط جديد يعيش لبنان وسطه في سلام واستقرار مع جيرانه. عرف لبنان أيّاماً مريرة خلال العقدين الأخيرين من الحرب واليوم وبفضل تصميم شعبنا بتنا على قاب قوسين من تحقيق اتفاق الآراء حول المؤسّسات الدّيموقراطيّة وحول نظرتنا إلى لبنان كوطن. ونظراً لمدى الخراب والدمار الذي لحق بنا فإني لمتعجّب مما حققناه في فترة وجيزة من الزمن. ولكنّ الدرب أمامنا لا يزال طويلاً.

على الصّعيد المحلّي، خطونا خطوات جبّارة باتّجاه إعادة ترتيب أمورنا الدّاخلية ولكن على الصّعيد الخارجي يبقى دورنا محدوداً نسبيّأً. فنحن في الواقع بلد صغير وهذا ما دفع بنا إلى مناشدة الولايات المتّحدة وأوروبا لتمثيل دورها الطّبيعي ومساعدتنا على بلوغ هذا السّلام الاقليمي العادل، الشّامل والدّائم الّذي نتوق إليه – سلام لا يتزعزع يصون مستقبل لبنان بل مستقبل كلّ دولة في الشّرق الأوسط. وإنني أنوّه بالأولويّة الّتي توليها الولايات المتّحدة في التزامها لتحقيق هذا السّلام وبالجهود الّتي تبذلها في هذا الإطار.

لن يحلّ السّلام طالما أنّ المفاوضات الاسرائيليّة السّوريّة لم تصل إلى أي نتيجة وبسبب علاقاتنا الوثيقة والخاصّة بسوريا نرى أنفسنا معنيّين إلى حدّ كبير بتطوّر هذه المفاوضات.

إذا ضمنت منطقة الشّرق الأوسط لنفسها مستقبلاً آمناً فإنها تتقدّم عندئذ بثبات نحو اللّيبراليّة والدّيموقراطيّة وتنفتح أمامها خطوط تجاريّة جديدة وتبرز أساليب جديدة في التّبادل الاجتماعي والثّقافي. ولبنان كان دوماً رمزاً لحرّيّة المبادرة وللّيبراليّة والدّيموقراطيّة والحوار المنفتح بين مختلف الطّوائف والأعراق. فإذا جسّد الشّرق الأوسط الجديد هذه القِيَم – وأظنّ أنّه سيفعل- يكون لبنان مدعوّاً إلى تمثيل دور بارز في المستقبل يدخل معه مرحلة السّلام كشريك فاعل وندخله بثقة وبمنظار شعب بات بفعل التّاريخ والخغرافيا يفكّر إقليميّاً ودوليّاً.

كان لبنان دوماً فريداً في منطقته يشكّل ما يشبه "المنطقة الحرّة" للتّعبير الفنّي والثّقافي، ومع مستويات الأداء الكاديمي التي حدّدتها جامعاتنا سيعود مجدّداً إلى سابق عهده كمركز للحياة الثّقافيّة في الشّرق الأوسط.


ملخّص لخطاب السيّد جيسكار ديستان: :



الرئيس الفرنسي السابق يعرب عن رغبة بلاده العميقة في استعادة لبنان كامل  سيادته واستقلاله التام



في الخطاب الذي ألقاه الرّئيس جيسكار ديستان تحت عنوان "مساهمة الاتّحاد الاوروبّي في السّلام والتّنمية في الشّرق الأوسط" تمنّى هذا الأخير أن تلعب أوروبا دوراً أكثر أهمّيّة في مسيرة السّلام وأشار إلى الاهتمام العميق الذي توليه فرنسا للبنان ولرؤيته يسترجع سيادته واستقلاله.

شكر الرّئيس ديستان جامعة تافتز لدعوتها له وأشاد بالسيّد فارس للتّشجيع والدّعم المتواصلَين اللّذين يقدّمهما لنشاطات الجامعة في تعزيز التّوافق والتفاهم بين الثّقافات. ثمّ تناول العلاقة الخاصّة – بل العاطفة الخاصّة- التي تربط لبنان وفرنسا. وقال إنّ فرنسا لم تألو جهداً لمساعدة لبنان على تخطّي النّتائج المدمّرة التي أحدثتها الحرب في البنى التّحتيّة وفي المنشآت الثّقافيّة وإنّها ستواصل دعمها للبنان كدولة مستقلّة ذات سيادة، مستقلّة في مواقفها وقراراتها المتعلّقة بدورها في المنطقة والعالم.

تعتبر فرنسا والمجموعة الأوروبّيّة أنّه ينبغي دعوة لبنان إلى تمثيل دور كامل في مفاوضات السّلام في الشّرق الأوسط ليضمن تحقيق سيادته واستقلاله النّاجزَين وتحرّره من كلّ وجود عسكري غريب. وحضّ ديستان الأميركيّين ولا سيّما المتحدّرين منهم من أصل لبناني الّذين يشغلون مراكز مهمّة في الولايات المتّحدة على إجراء كلّ الاتّصالات اللاّزمة مع الإدارة الأميركيّة لضمان عدم تجريد لبنان من حقوقه في السّيادة وفي القرار الحرّ.

وأعلن الرّئيس الأسبق أنّ أيّ سلام عادل وبنّاء في الشّرق الأوسط يجب أن يؤدّي بالضّرورة إلى مسيرة ديموقراطيّة شاملة في الحياة الوطنيّة لكلّ بلد معني بالسّلام بما فيها تعزيز حقوق المرأة كاملةً. كما أعلن أنّه يؤيّد التزاماً اقتصاديّاً أكبر لفرنسا وللمجموعة الأوروبّيّة في الشّرق الأوسط من أجل المساعدة على بناء اقتصاد صلب في المنطقة وتقديم المساعدة من خلال مشاريع التّنمية المتّصلة باستثمار الموارد الطّبيعيّة ولا سيّما المياه. وأوروبا مستعدّة للاضطلاع بدورها في هذا المجال تماماً كما فعلت في السّابق بالتّعاون مع اليابان في ما يخصّ تمويل مشاريع في قطاع غزّه.

وأعلن الرّئيس ديستان أنّه يفضّل أن تحدّد المجموعة الأوروبّيّة مقاربتها للسّلام في الشّرق الأوسط بما يتوافق واتّفاقات مدريد الّتي شهدت مشاركة الولايات المتّحدة وروسيا بدلاً من ترك أميركا تحتكر هذا الدّور وتقلّص الوجود الرّوسي.

ودافع عن دور أوروبا في مسيرة السّلام كما في مرحلة ما بعد السّلام على مستوى الاقتصاد والتّنمية وهو دور يستند إلى الوقائع الجغرافيّة والاقتصاديّة للشّرق الأوسط علماً بأنّ الأخير موجود في منطقة واقعة على المتوسّط ويشكّل بالتّالي امتداداً طبيعيّاً للمجموعة الأوروبّيّة ولا سيّما لبلدان مثل فرنسا وايطاليا واسبانيا.

وعلّق الرّئيس ديستان أهمّيّة كبرى على مؤتمر برشلونه الأخير لأنّه تناول التّعاون الاقتصادي الأوروبي والتّعاون بين الدّول الأعضاء في المجموعة الأوروبيّة والدّول الصّناعيّة من جهة ودول الحوض الشرقي للمتوسّط من جهة أخرى.

أخيراً أشار الرّئيس الفرنسي السّابق إلى ضرورة استمرار المجموعة الدّوليّة في مساعي السّلام لتعود المنطقة واحة سلام وأمن واستقرار وازدهار اقتصادي واجتماعي ناجم عن تنمية مواردها الانسانيّة والطّبيعيّة. غير أنّه لفت إلى أنّ مسيرة السّلام هذه يجب أن تترافق مع نُظُم ديموقراطيّة قائمة على الحماية التّامة لحقوق الانسان ولا سيّما منها حقوق المرأة.