أخبار دولية
سلسلة محاضرات جامعة تافتس
PrintEmail This Page
ملاحظات رئيس الوزراء البريطاني السابق السيد طوني بلير
بوسطن 2009-02-03

استؤنفت سلسلة "محاضرات عصام فارس" في جامعة تافتس – بوسطن، بمحاضرة هامة ألقاها رئيس وزراء بريطانيا السابق ومبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الاوسط طوني بلير بعنوان "مستقبل السلام في الشرق الاوسط" بحضور نجاد فارس ممثلاً نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس ، سفير لبنان في واشنطن انطوان شديد، رئيس الجامعة لورانس باكو، والدكتورة ليلى فواز، مديرة مركز فارس للدراسات الشرق اوسطية، السيدة زينة نجاد فارس، والآنسة نور عصام فارس ، اضافة الى عدد كبير من الديبلوماسيين والقناصل الاجانب وطلاب الجامعة.

وهذه هي المحاضرة الحادية عشرة في سلسلة المحاضرات التي تحمل اسم نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق عصام فارس، والتي تلقيها عادة شخصية سياسية دولية لمعالجة المسائل الاساسية التي تواجه الغرب في علاقاته الاستراتيجية مع الشرق الاوسط.
ومن بين المتحدثين السابقين الرؤساء جورج بوش الاب وبيل كلينتون والرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر ووزراء الخارجية السابقين جيمس بيكر وكولن باول والسناتور هيلاري رودام كلينتون ومادلين اولبرايت والسناتور السابق جورج ميتشل.

واستهل المحاضرة الرئيس باكو بكلمة شكر فيها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس وعائلته لدعمهم هذا المنبر. واشاد باكو بفارس وبجهوده المتواصلة في سبيل اعلاء منابر العلم والثقافة وفتح آفاق جديدة للطلاب.



كلمة طوني بلير

شكراً لكم، شكراً لكم، شكراً جزيلاً لكم
سيدي الرئيس، السيد فارس، أصحاب السعادة، سيداتي وسادتي.
إنه لأمر رائع أن أكون هنا، في جامعة تافتس لا سيما بعد هذا اليوم الذي امضيته معكم. قبل كل شيء أود أن أتقدم منكم بالاعتذار الشديد لجعلكم تنتظرون حتى هذا الوقت المتأخر من المساء، لكن يجب أن اصارحكم إنه عند منتصف الليل بتوقيتكم أي عند الساعة الخامسة صباحاً في المملكة المتحدة، وبينما كنت أستعد للمجيء، أيقظني ولدي الصغير البالغ من العمر ثماني سنوات وقال لي "الثلج يتساقط"، وهي عبارة بريطانية كلاسيكية معروفة تُقال لتلطيف الواقع. خرجت ورأيت لندن كما لم يسبق لي أن رأيتها قبلاً: كل شيء مطفأ... لا تسألوني كيف وصلت إلى هنا، وصولنا الى هنا يشبه السحر. في الواقع، إن كان ثمة ما يدعو إلى الكآبة فهو الهبوط في بوسطن واكتشاف أن ثلوجكم تبدو أسوأ، لكنكم على الرغم من ذلك تعملون بشكلٍ ممتاز وعادي، الأمر الذي جعلني أتساءل عمّن كان المسؤول طوال هذه السنوات.

على أية حال، وصلت إلى هنا وسأتحدث إليكم الليلة عن الشرق الأوسط وعن وجهة نظري حوله. سأطلعكم على الأفكار التي أعتقد أنها يمكن أن تُنفَّذ لا بل يجب أن تُنفَّذ. إنه موضوع جدّي، غير أنه يحمل في طياته بعضاً من الطرافة. أنا أقضي الكثير من الوقت في المنطقة التي تعتبرها مألوفة سيدي. أعتقد أن الوقوف على جبل نيبو الذي يقع في الجهة الأردنية من وادي الأردن هو أحد أروع الأشياء التي يمكن القيام بها؛ وقد قمت بذلك قبل أشهرٍ قليلة. عندما تصعد إلى قمة جبل نيبو، حيث يُفترض أن يكون موسى قد رأى أرض الميعاد، وتنظر من حولك، يمنكك أن ترى وادي الأردن في البعيد. عند الغسق، يمكنك أن ترى أضواء القدس، وفي الأمسيات الصافية، قد تتمكن من رؤية مناطق في قلب إسرائيل. تلك هي الميزة الرائعة؛ قطعة أرض صغيرة قد تكون أصغر حجماً من أصغر ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من ذلك فإن تلك الأرض قد أعطت هذا التاريخ، ووفرت هذه الحيوية وخلقت هذا الصراع وطرحت هذا التحدي للعالم.

بعد ذلك بوقتٍ قصير، وعندما كنت عند الطرف الثاني من وادي الأردن، زرت جبل التجربة المحاذي لمدينة أريحا. يعتبر "جبل التجربة" مناسباً جداً لرجل سياسي. كنت أتحدث إلى شابٍ فلسطينيٍ عن المنطقة والصراع، توقف الشاب عن الكلام للحظة وسألني، "لماذا كان على موسى والمسيح ومحمد أن يأتوا جميعاً إلى هنا؟". إذاً يمكنك أن تشعر بالتقاليد الغنية والرائعة في هذه المنطقة، وما زلنا نعيش حتى اليوم كل ذرّة من ذاك التاريخ.
أشعر أن المستقبل يُصاغ في تلك المنطقة، ليس فقط مستقبل هذا الجزء من الأرض بل مستقبل المنطقة برمتها، وبتعبير آخر مستقبل العالم بشكل عام. تعتبر قضيتي والحجة التي أقدمها لكم هذا المساء بسيطة جداً: نحن نواجه تحدياً ينبع من تلك المنطقة؛ تحدياً للإسلام وطريقة تطوره، وتحدياً لنا في الغرب. هل يمكن لكلينا، إسلام وغرب، تعلم التعايش بسلم، وهل نستطيع أن نفهم أن مصيرنا في النجاح والفشل مترابط، وهل من الممكن تحقيق هذا التعايش السلمي أم أننا سننحدر، عوضاً عن ذلك، إلى هاوية القسوة والمرارة واليأس. يتعلق الأمر إلى حدٍ ما بالتحدي الذي تمثله العولمة وكيفية تجاوبنا معها. هل نستجيب للعولمة معاً أو متفرقين. هل يمكن للإسلام أن يحقق الإصلاح ويتيح لثقافته وحضارته وموهبته الازدهار في ظل تعايش سلمي مع العالم في القرن الحادي والعشرين؟ وهل نستطيع نحن في الغرب أن نفهم أن القرن الحادي والعشرين يجب أن يُبنى على العدل ليعمّ السلام فيه؟ هل يمكننا أن نفهم أن أيام التفوق الغربي قد ولًّت وأنّ هذا العالم إما أن ينجح بالشراكة والاحترام المتبادل والتضامن وإما أن يفشل.

أعتقد أن مصيرنا مشترك ولكنني أظن أيضاً أنه مهدّد. لذلك، يمكننا أن نجد معاً غايتنا المشتركة. دعوني أبدأ من المنطقة التي قضيت فيها معظم وقتي. يقول لي بعض الأشخاص أحياناً حين نناقش السياسة الخارجية "هل تعلم انه يجب أن تقلق بشأن أفغانستان بدلاً من العراق". ثم يقول لي آخر:" في الواقع، لا يدعو أي من العراق أو أفغانستان الى القلق بل عليك أن تقلق بشأن باكستان". يتقدم شخص آخر ويقول "في الواقع إيران هي التي يقتضي القلق بشأنها". يمكن إضافة الصومال والسودان واليمن والجزائر إلى اللائحة لأنها شهدت في الأسابيع الأخيرة الأحداث ذاتها: شهدت العنف والإرهاب وجرح فيها الأبرياء وعمّ اليأس. في نظري، إنه صراع واحد تفشّى في ميادين عديدة مختلفة. ليس ثمة سبب محدد. بل إن الأسباب التي أدت إلى هذا الصراع كلّها مهمة: فلسطين مهمة وكاشمير أيضاً ولا ننسى الشيشان. غير أنّني أذكر عندما التحقنا بالدفاع العسكري في كوسوفو لنجدة الكوسوفيين الألبان الملاحقين من قبل الصربيين المسيحيين- كان ثمة إيديولوجية لم تُحدد بدقة غير أنها مترابطة وهي تعبّر عن أن الإسلام يشهد مرحلة انتقالية على حلبات الصراع والتحدي هذه:

- فمن جهة، نرى مسلمين كثيرين يتبعون الموضة الحديثة في مظهرهم كما أنهم معتدلون في السياسة ويؤمنون بأن الرد الأفضل على التحديات التي يواجهها الدين وفقاً لثقافة الإسلام وحضارته هو في الاندماج مع القرن الحادي والعشرين والانتماء إليه والاستمتاع به والمساهمة في تحديده. - لكن، في المقابل، ثمة مجموعة من الناس تعارض العالم الحديث بغير طريقة وتعتقد أن الإسلام ضل طريقه لأنه انحرف عن المسار الحق وأن الرد الأمثل سيكون في العودة، العودة إلى إيديولوجية لا ترتكز على القرآن فحسب، بل على إيديولوجية تعتمد على سياق القرآن كما كان في القرن السابع. يُعبّر هؤلاء عن أنفسهم بالتطرف وبتحوير إيمان الإسلام الحق وهو إيمان مسالم وعادل، وبتحوير مفهوم الجهاد الذي كان يمثل في الأصل صراعاً للاندماج مع العالم قبل أن يتحول إلى صراع لمواجهة العالم. يستعمل هؤلاء المتطرفون الإرهاب سلاحاً قوياً. يستعملونه أداة لبث الاضطراب والاستفزاز. أما التعبير الأكثر وضوحاً عنه فهو التعصب، والناس الذين يفكرون بطريقة مغايرة عن طريقة تفكيرنا يعتقدون أنهم إن قاموا بتفجير قنبلة وقتل أشخاص أبرياء تزداد حظوظهم بالمصالحة مع الله. ومع أننا قد نعتبر هذه الرواية غريبة، يتعين علينا أن نطرح السؤال التالي على أنفسنا: لمَ تجذب الناس مثل هذه الروايات عن الإسلام ؟ السبب هو أنها تثير فيهم شعوراً بأن القدر حتّم على الإسلام والغرب ان ينفصم أحدهما عن الآخر، وأن الغرب هو المُلام لأنه فرض ثقافته على من يتبعون الإسلام وأن صراع الحضارات قد وقع ولا مفر منه، كما قال البروفيسور هنتنغتون، وأن القيادة المعتدلة والحديثة في هذه المنطقة تُعتبر متآمرة مع المرتدّين عن الإيمان الحق.

إنه تحدٍّ بالغ الأهمية وطريقة مجابهته هي التي ستحدد مستقبل هذه المنطقة ومستقبل العالم. ولنتمكن من المواجهة، علينا أن نعترف أولاً بوجود سلسلة مترابطة من الصراعات وأنه ثمة سيناريوهان متنافسان يدور الأول حول التحديث والتعايش ويدور الثاني حول رد الفعل والانقسام. ملاحظة - إنها حرب أو صراع قد يُكسب ببساطة بوسائل عسكرية. لكنه ليس هذا صراعاً تقليدياً وليست هذه سياسة تقليدية أيضاً فهي لا تدخل في أي من الفئتين اليسارية أو اليمينية كما هي الحال في الولايات المتحدة أو أوروبا. وعلينا أن نعترف أيضاً أن التحدي ليس ضمن الدين الإسلامي فحسب بل إنه تحدٍّ لنا أيضاً. هو تحدٍّ لنا غير بسيط لأنه قد يهددنا. بل إنه تحدٍّ لنا لأننا إن أردنا أن نفوز به، علينا أن نستعد لنعتمد رؤية أفضل وأوضح وأكثر استراتيجية للمستقبل. رؤية تُقرّ فيها بأن المستقبل مشترك في الحقيقة، وبأننا لا نستطيع أن نفرض وجهة نظرنا عن العالم على الآخرين. في بعض الآحيان، يصعب علينا، نحن الغربيين، أن نفهم لِمَ قد يكرهنا الناس في مختلف أنحاء العالم. ليست تلك مجموعات يسهل حكمها، وفي الفترة التي كنت فيها رئيساً لحزب العمال في البرلمان، أذكر أن أحد زملائي كان مقيتاً. وفي أحد الأيام، وبينما كان في غرفة الشاي حيث اعتاد أعضاء البرلمان على الاجتماع، قال لأحد زملائه "لِمَ يكرهني الناس في اللحظة الأولى التي يرونني فيها؟" وقد أتاه الجواب: "لأن هذا يختصر الوقت".

" نشعر أحياناً أن حافزاً غريزياً يدفع ببعض الناس في بعض بلدان العالم إلى معارضتنا ومعارضة ما نمثّله ومعارضة ثقافتنا. في الواقع، ليس الامر كذلك. الحقيقة أنه، في العالم الذي تم تكوينه، حيث تُقَرّب العولمة الناس، يبقى السؤال الذي يُطرح "هل سيتمكّن أحدنا من تفهم الآخر أم سينتهي أمرنا بالتفرّق؟". والصراع الدائر حول منطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق هو في الحقيقة جزء من السؤال نفسه، لذلك فإن الرد العسكري الصرف يستحيل ضرورياً أحياناً: نعم، للمواجهة والمحاربة. غير أن الرد العسكري الصرف لن ينجح أبداً في كسب هذا التحدي أو في تخطّي هذا الصراع. بل إن ما نحتاج إليه هو مزيج من الصلابة واللين. فالقوة العسكرية لا تكفي وحدها. نحن نحتاج أيضاً إلى لغة الدبلوماسية الفاعلة وتقاليدها وسياساتها. يجب أن نعتمد طريقة أعمق وأكثر تواصلاً من تلك التي اعتدنا اعتمادها في التدخل في المنطقة. ما الذي يعنيه ذلك؟ هذا يعني ثلاثة أمور على الأقل:

أولاً، ليس الصراع بين إسرائيل وفلسطين هو السبب في هذه المشكلة. فهذه المشكلة كانت ستطرأ حتى لو لم يكن الصراع قائماً. غير أنّني أقول لكم من أعماق قلبي إن ما تعلمته في الأشهر الخمسة عشر الأخيرة موفداً للجنة الرباعية إلى هذه المنطقة ألقى الضوء على ما يلي: إن حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هو القضية الوحيدة البالغة الأهمية التي يمكننا القيام بها لإحلال السلام والاستقرار في هذه المنطقة في ظل التحديات الأمنية التي نواجهها. ما من شيء أهم أو أكثر إلحاحاً وما من عائق يجب أن يعترض تحقيقه. لمَ يُعتبر ذلك صحيحاً؟ ليس لأهميته بالنسبة إلى الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة مثلاً أو بالنسبة إلى الجماعات الإسلامية حول العالم. بل إن سبب أهميته أعمق من ذلك: إن تمكنّا أن نوجد أساساً للسلام في هذا الصراع، وإن تعلم الناس في تلك القطعة الصغيرة من الأرض أن يعيشوا معاً بعد المرارة التي عانوا منها والصراع الذي فرّقهم، فإن ذلك سيشكل نموذجاً فريداً للتعايش الذي نريده ولم نشهده بعد في أي مكان. اذاً إن أثر الصراع أو السلام بين إسرائيل وفلسطين هو أثر لا يشعر به أحد أكثر مما يشعر به أولئك المعنيون به مباشرة. هذا من الناحية الظاهرية، لكن الحقيقة هي أن لهذا الأثر ترددات أبعد من ذلك بكثير- فحتى في شوارع المدن البريطانية، هذه القضية تحفز الناس وتحركهم وتشعرهم بأنهم معنيون بها. سأعمل عن كثب مع السيناتور ميتشل وهو المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط. لقد عملنا معاً في قضية إيرلندا الشمالية حيث تمكنّا من

إحلال السلام بعد المشقات كلّها التي اعترضتنا. وأقول لكم إن أكثر ما يثير القدرة على التحفيز والاعجاب هو رؤية مجموعتين من الناس الذين كانوا أعداء ألدّاء، تحت سقف واحد يستعدون للعمل معاً. ما الذي يجب أن نبدأ بالقيام به أنا والسيناتور ميتشل؟ علينا أولاً إعادة بث القوة في المفاوضات السياسية. في إيرلندا الشمالية، واجهنا مشكلة كبيرة: كان متعذراً بلوغ أي اتفاق حول النتائج المرتقبة. كان علينا أن نجد حلاً مشتركاً مناسباً للجميع: فقد أرادت مجموعة من الناس المملكة المتحدة بينما أرادت مجموعة أخرى "إيرلندا المتحدة"، إلا أنّنا وجدنا طريقة تمكنا، من خلالها، من التوصل إلى حل. في الواقع، في حالة إسرائيل وفلسطين، نحن نعرف ما نريد: نريد دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام. ثمة من سيقول: "لقد حاولوا أن يتوصلوا إلى اتفاقية السلام هذه منذ سنوات- أليس ذلك مستحيلاً؟" الجواب هو، لا ليس ذلك بمستحيل.
 
فلو اجتمعت مجموعتان من الفلسطينيين والإسرائيليين المثقفين المؤمنين بالسلام كلّ في غرفة، وطُلب إلى كل منهما وضع اتفاقية السلام التي تراها مناسبة، فأنا أراهن، على أن الاتفاقيتين، إن قورنتا، فلن تكونا مختلفتين كثيراً. نعم، ثمة صعوبات كبيرة سنواجهها دائماً غير أنّني مؤمن بأننا لو اتخذنا القرار فإن السلام سيكون ممكناً خصوصاً أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة، الرئيس أوباما، أشار إلى أنه مصمم على التركيز على هذه القضية بطريقة لا تجعلنا نخسرها كما تعهّد برعايتها. غير أن أول ما نحتاج إليه يبقى العملية السياسية التي يُعاد بث القوة فيها.
أما الأمر الثاني فهو يعني الضفة الغربية حيث يعيش معظم الفلسطينيين وحيث يمكنهم، إن سُمح لهم، أن يبدأوا ببناء دولة وأن يؤسسوها. نحن نحتاج إلى الفعل لنتأكد من أن الفلسطينيين يستطيعون بناء قدرتهم الأمنية الذاتية كما نحتاج من جهة أخرى، بعد بناء هذه القدرة لدى الفلسطينيين، إلى زيادة قدرتهم على حكم أنفسهم، بينما يتعين على إسرائيل أن ترفع وزر احتلالها. في السنة التي مضت، كنت أعمل مع الجنرال جونز وهو مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، محاولين إيجاد إطار أفضل لتحقيق ذلك. في الواقع، وحتى بعد الأحداث الأليمة التي وقعت خلال الأسابيع القليلة في الضفة الغربية، سيطر هدوء نسبي على تلك البقعة. في العام 2008، بدأ الاقتصاد باستعادة نموه وتزايد عدد السواح ثلاثة أضعاف؛ ولاحت بوادر الأمل والازدهار في الأفق. غير أن ما حصل مؤخراً طرح علامة استفهام حول ذلك كله. ومع ذلك، ان تحقيق هذا الهدف ليس في الحقيقة مستحيلاً. وتنبع أهمية ذلك من الواقع القائل إننا وفي الوقت الذي ننجز فيه عملية السلام والمفاوضات، مفاوضات "بناء نظرية الدولة"، الدولة الفلسطينية، كنتم تحلون مشكلة الحدود والقدس وحق العودة والقضايا كلها التي يصعب حلّها بالمفاوضات السياسية- وذلك كله بموازاة نظرية بناء الدولة تلك، التي وُضعت مسبقاً، بينما يتعين علينا البدء بالبناء من الأساس: من طريقة عمل الدولة ومؤسساتها، وقدرتها على الاتحاد، وقدرتها على أداء الخدمات العامة، وبالاخص على تفاعلها بين الامن من جهة ومن جهة اخرى الاحتلال الذي أعاق تطلعات الفلسطينيين على مر السنين، وهذه هي طبعاً نقطة حساسة. ونحتاج أخيراً إلى اعتماد مقاربة لغزة تكون مختلفة عن سابقاتها وأفضل منها. يجب أن يكون هدفنا ردع المتطرفين ومساعدة شعب غزة وأخشى أنه حتى الآن، كان يتم القيام بالعكس. يجب أن نؤمِّن لشعب غزة طريقة للخروج من هذا البؤس. يجب أن نؤمّن لهم الفرصة ليجتمعوا مع إخوانهم وأخواتهم الفلسطينيين في الضفة الغربية.

يجب أن نقدٍّم لهم أفاقاً حقيقية للاتحاد، تقوم على الأسس الصحيحة، الأسس التي تعزز الحل الحقيقي السلمي المرتكز على قيام دولتين. تحقيق ذلك ممكن وهو واجب. في الأسابيع القليلة الماضية التي زرت فيها تلك المنطقة، شعرت بالتوتر يتزايد أكثر بكثير ممّا كنت أشعر به عندما كنت خارجها. شعرت بأن التصدع في سياسة تلك المنطقة يزداد عمقاً؛ لا يمكننا السماح بانقضاء عام آخر من دون أن نحرز أي تقدم في هذه القضية.

لذلك أنا أقول بكل بساطة: في هذا الصراع الأوسع نطاقاً، تبدو هذه القضية-إسرائيل وفلسطين- بالغة الحساسية. لنعترف بذلك ولنبدأ بجعل العام 2009، عام إحلال السلام في الشرق الأوسط. إن تمكنّا من القيام بذلك، إن بدأنا بتنفيذ آلية تدفع بحق عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين إلى الأمام، فأنا أعتقد أن الآلية بين إسرائيل وسوريا وإسرائيل ولبنان لن تكون صعبة التحقيق بعد ذلك. فكروا في إمكانية وضع سياسة جديدة في هذه المنطقة، وفكروا في التغيير الذي من الممكن أن يطرأ، ليس في هذا الجزء من المنطقة، بل في المنطقة كلها وفي العالم.
بالإضافة إلى ذلك، علينا أن نركز على سياستنا الخاصة، وعلى الطريقة التي قد نساعد بها في مجالات عديدة كالتعليم مثلاً. لِمَ نتفاجأ عندما نرى في مدارس باكستان الدينية شباناً يتعلمون التعليم الديني ولا شيء غيره، منذ ساعات الفجر الأولى وحتى حلول المساء. لِمَ نتفاجأ لرؤية جيل كامل ينمو مع مشاكل وصعوبات جمة تدفع ببعض أفراده إلى التطرف؟

بعدئذٍ، نحن نحتاج إلى محاولة ضمان إيجاد هؤلاء الناس الذين ينتمون إلى ديانات وثقافات مختلفة الطرق ليفهموا بعضهم بشكل أفضل، وليعرفوا بعضهم بشكل أفضل وليحترموا بعضهم بشكل أفضل، ليس فقط ليتسامحوا مع بعضهم بل ليفهموا المصير والهدف المشتركين بينهم- وأنا أقوم بذلك في هذه المرحلة من حياتي من خلال المؤسسة الجديدة التي أنشأتها وموضوعها الاختلاط الديني.

يجب أن نرى في هذا المشهد الذي بدأ ينقشع الآن في تلك المنطقة، داخل الإسلام وبين الإسلام والغرب، درساً أكبر وأعمق. والصفة الوحيدة التي تحمل تحديد عالم اليوم هي استقلاله. أصبح مصطلح "شعوب العالم" مبتذلاً اليوم ولكنه صحيح والفكرة القائلة إن الأمم ستلاحق مصالحها الضيقة التي تمثل أدوات تمارس من خلالها سياساتها الخارجية ليست مقيدة معنوياً فحسب بل إنها خاطئة. فهي لا تتناسب مع طبيعة عالم اليوم لذلك فلو اعتبرنا الصراع في الشرق الأوسط، أو تغير المناخ، أو الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، أو أياً من التحديات التي نواجهها في عالم اليوم، وتخيلنا تدخل رئيس الولايات المتحدة الجديد في كل منها، ما الذي نلاحظه؟ كل من هذه التحديات عالمي، وكل منها يتطلب رداً عالمياً ولا تستطيع أي دولة، حتى لو هي بحجم الولايات المتحدة الأميركية أن تأخذها على عاتقها بمفردها. إنه تحدينا لأنفسنا، فعلينا أن ندرك أننا إن كنا عن حق في عالم متعاضد ومترابط، وإن كان مستحيلاً أن تستطيع دولة واحدة أن تتعامل بمفردها مع هذه التحديات، فالمعادلة واضحة جداً إذاً: للتعامل مع هذه التحديات العالمية ، نحتاج إلى تحالفات عالمية. علينا أن نعترف أن زمن التفوق الغربي، الزمن الذي كان الغرب يفرض فيه الأحكام التي وجَب على باقي دول العالم الامتثال لها، ولّى إلى غير رجعة. عندما قابلت رئيس الوزراء الصيني أمس في لندن، والذي اجتمعت للقياه المؤسسة السياسية البريطانية كما ستجتمع المؤسسات السياسية الأوروبية، وبينما كنا نناقش المسائل، لاحظت الفرق بين تلك اللحظة ولحظة مناقشتي معه عندما انتُخبت رئيساً للوزراء في العام 1997. في ذلك الحين، ألقى الكل خطابات حول قدرة الصين المتصاعدة، غير أن تلك لم تكن إلا مجرد خطابات. فعندما كنت جالساً هناك أمس، أدركت فجأة أن دور الصين اليوم ليس ثانوياً وليس عرضياً بل هو أساسي أكان ذلك في إطار الأزمة الاقتصادية أو التغير المناخي أو الصفقة الدولية الجديدة أو ما يحصل في أماكن كالشرق الأوسط. دور الصين جوهري. هذه هي حقيقة العالم الذي نعيش فيه اليوم. والتحالفات العالمية القائمة في الوقت الراهن أساسية لتحديد طبيعة العالم الذي سنعيش فيه. وأنا أؤمن شخصياً بأنه في ما يعنينا في أوروبا وما يعنيكم أنتم هنا في الولايات المتحدة، إن حلفنا المعروف بحلف شمال الأطلسي سيبقى قوياً. أنا مؤمن بذلك. ليس الأمر سهلاً دائماً. ولست ادري اذا كان ونستون تشرشل أو أوسكار وايلد هو الذي قال اننا امتان تفرقهما لغة مشتركة. إن كنتم تظنون أن ذلك صعب للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فحاولوا العمل في أوروبا. باحترام بالغ أيها السادة القناصلة العامون الحاضرون ههنا، أود أن أخبركم بشيء لعلكم تعرفونه: أنا أتكلم الفرنسية، ولكن ليس بالطلاقة التي كنت أظن أنني قادر على التحدث بها، وقد ارتكبت خطأ بالغاً في بادئ عهدي كرئيس وزراء عندما قررت أن أعقد مؤتمراً صحفياً مباشراً باللغة الفرنسية إلى جانب رئيس الوزراء الفرنسي في ذلك الحين. سُئلت ما إذا كنت أود أن أتمثل برئيس الوزراء الفرنسي في بعض السياسات التي كان يعتمدها. عنيت بإجابتي أنني وددت التمثل برئيس الوزراء في ممارسة سياسات كثيرة يعتمدها. وبدلاً من ذلك، قلت إنني وددت رئيس الوزراء الفرنسي في وضعيات عديدة. وهو بالطبع خطأ يصعب إصلاحه في مؤتمر صحفي. وأظن أنه سيسركم أن تعرفوا أن وجهه احمر خجلاً.

ومع أن هذا يبدو صعباً إلا أنه ضروري لنا. إنها الطريقة الوحيدة حالياً التي يمكننا أن نحرز التقدم من خلالها. ومهما كانت اختلافاتنا، علينا أن نضعها جانباً لنبلغ الهدف الأسمى. هذه التحالفات- الولايات المتحدة الأميركية-الصين أو أوروبا-الصين أو الاتحاد الأوروبي-الولايات المتحدة- بالغة الأهمية تماماً كالتحالفات التي نحاول اليوم تشكيلها في الشرق الأوسط، ذلك أنه يتعين علينا مشاركة هذه الشعوب التي تبحث عن مستقبل معتدل وحديث من التعايش السلمي في تلك المنطقة. علينا أن ندعمها ونساعدها ونساندها في رحلتها نحو الحداثة بدلاً من أن نبقى مكتوفي الأيدي ونقول "لدينا مصالح نفطية أو لدينا مصلحة في دعم هذا النظام في مواجهة نظام آخر،" علينا أن نفهم الواقع القائل إن التحالفات العالمية ضرورية في عالم متعاضد، وإن ما تحتاج إليه هذه التحالفات العالمية هو بالطبع مؤسسات عالمية.

ولا ننسى القيم العالمية والتي يفسر الافتقار إليها الفاعلية المتناقصة للرؤية الضيقة للسياسات الخارجية التي تعتمد فقط على المصالح القومية المباشرة. واذا كان صحيحاً أننا نحتاج إلى تحالفات عالمية، فإن هذه التحالفات بين بلدان متفاوتة النمو ومختلفة في ثقافاتها وحضاراتها، لا تتم على أساس فرض رؤية كونية واحدة وتجاهل الرؤى الباقية، بل تتم عبر الهدف المشترك. والهدف المشترك ينتج فقط عن المعتقدات المشتركة والقيم المشتركة.
يسألني الناس أحياناً لِمَ أتعاطف مع موضوع إفريقيا والإجابة بسيطة جداً: أنا أشعر أنه من المعيب أن يموت ملايين الأشخاص سنوياً جراء الجوع أو الصراعات أو المرض. وإن فكرتم في المالاريا وحدها، التي تخلصنا منها في أوروبا ومعظم بلدان الغرب، والتي تم التخلص منها بعد أن كانت سبباً أساسياً في الوفيات في أقسام من الهند أو الصين- وإن فكرتم أن ملايين الأشخاص يموتون كل سنة بسببها في إفريقيا، أظن إنه سيكون نداء للمزيد من العمل. أجد صعوبة في تجاهل هذا الموضوع. ولكن حتى إن لم أنظر إليها كقضية أخلاقية، فإن ما يحدث اليوم في إفريقيا هو أن تلك البلدان التي لا تتم مساعدتها على التقدم، تلك البلدان التي تتدهور، لا تضر بشعبها فحسب؛ فإن نظرنا إلى السودان أو الصومال مثلاً أو إلى أي من مناطق الصراع الأخرى، نلاحظ أن هذا الصراع بدأ بالتفشي وقد بدأت هذه البلدان بتصدير التطرف الذي نشأ فيها والذي بدأ ينتشر. لذلك، أنا أعتقد أن سبب مساعدة إفريقيا ليس قضية أخلاقية فحسب بل إنه عمل ينم عن مصلحة ذاتية مفيدة. فإن لم نحارب حرمان ما يقارب المليار شخص من الحظوظ نفسها من الفرص والازدهار لأننا نظن أن ذلك ليس خاطئاً أو مؤذياً حقاً، فلنعلم أن هذه السياسة لن تنجح في عالم مستقل.

أظن أن التحدي الذي نواجهه في الشرق الأوسط هو تحد يعني الناس الذين يعيشون هناك أكثر من سواهم. ولكن سبب مناقشته هنا والسبب الذي يجعل الناس في شوارع بريطانيا يهتمون به هو أن الجميع باتوا يفهمون أنّه من المهم تخطي حدود بقعة الأرض تلك التي رأيتها وأنا أقف على قمة جبل نيبو أو حتى بقعة الأرض الأوسع على هذه القارة ألا وهي منطقة الشرق الأوسط. في هذا التحدي، يمكننا أن نرى الطبيعة الأصلية للسياسات الحديثة.

ومن الأشياء الأكثر صعوبة وإحباطاً التي واجهتها في حياتي السياسية والتي أراها بوضوح بالغ تماماً كما ترونها ويراها رئيسكم، هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم، فالعالم الذي يكبر فيه أولادي هو عالم يتحرك بسرعة. وهو يتحرر باستمرار من القيود التي نحاول فرضها عليه أكان ذلك في مجال التكنولوجيا أو الاقتصاد أو في تأثير الصراع على الحالة النفسية والعقلية للناس. اليوم، ليس ثمة من صراع قائم في ناحية من العالم. ولكن إن كنا نتمتع بالقدر الكافي من الاهتمام، نراه في الليل على شاشات التلفزيون. يدخل مباشرة إلى مجتمعنا، إلى غرف الجلوس في بيوتنا. إذاً، فإن العالم الذي يتغير بسرعة ويتحرر من القيود التقليدية التي كانت السياسات تتميز بها في تطبيقها، يحتاج إلى سياسات جديدة ترافق تغيره. وعندما أنظر إلى الفرص التي يقدمها عصر العولمة، أجد أنها هائلة. ولكن كما نرى من خلال اقتصادنا مثلاُ، إن التحديات كبيرة وطارئة بشكل سريع، وهي كلها مرتبطة بظاهرة اساسية وهيٍ أن العالم ينفتح والحدود تُذلل والعوائق تتكسر ونلاحظ حدوث تقارب.

والسؤال هو: هل نجعل من هذا التقارب ينجح أم نحوّله إلى اختلاف وانقسام وصعوبة تؤدي لاحقاً إلى افتراق؟ تلك هي المعركة في جوهرها. تلك هي المعركة التي نشبت الآن في الشرق الأوسط. والهدف من ذلك هو التالي: في النهاية، إن الطريقة الوحيدة التي نجتمع من خلالها في عصر تعاضد عالمي ترتكز على العدالة والتساوي في الأهمية وإن أردنا حل هذا التحدي في الشرق الأوسط، فهذا ما يقتضي علينا فعله. وما يعني الناس هناك هو التالي: ينظرون إلى سياستنا ويسألون: هل تتم معاملتنا بالتساوي؟ هل نهتم لمعاناة الفلسطيننين بقدر ما نهتم لأمن إسرائيل؟ برأيي، يجب أن نهتم للاثنين معاً ولكن بالتساوي، هذا هو الموضوع وهذا ما أعنيه: يمكننا أن نجعل القرن الحادي والعشرين يرتكز على الشراكة والإنصاف والعدل وتقارب المتساوين وليس على ديكتاتورية سياسية.

دعوني أختم بقصة من إيرلندا الشمالية. في إيرلندا الشمالية كان الصراع عسيراً غير أن الإيرلنديين شعب عظيم. هم شعب مبدع وبارع وقد أُتيحت لي الفرصة في سياق مفاوضات إيرلندا الشمالية، ان اتعلم شيئاً عن براعتهم. وما حصل هو أننا كنا نسافر ونمضي أياماً محاولين التفاوض بشأن بنود اتفاق السلام لإيرلندا الشمالية غير أن الأمور كانت صعبة جداً. وفي إحدى المرات، سافرت، وكانت زوجتي على وشك أن تضع ابننا "لايام"، الصبي الذي أخبرتكم عنه قبل قليل. ذهبت إلى ذاك الاجتماع واقترب مني أحد أفراد الوفد الإيرلندي وقال لي: "سيد بلير، إنه لأمر رائع أن تكون زوجتك على وشك الولادة، لتحل عليها البركة. وقلت له "شكراً لك". فقال: "كنت أتساءل: ما هو الاسم الذي ستطلقه على مولودك الجديد؟" فأجبت "حسناً، لا أدري، ولكن إن كان المولود صبياً فسأسميه على اسم أبي." لم أفكر في السؤال بعد ذلك ورحلت. وبعد بضعة أشهر وُلد ابني وذهبنا في دورة أخرى من تلك المفاوضات.

كان الرجل نفسه في الغرفة غير أنّه كان قد اكتسب سمرة ملفتة. هل سبق وذهب أحدكم إلى إيرلندا الشمالية ؟ إنه مكان رائع ولكن ليس لاكتساب السمرة، وبالتأكيد، لا يتوجه أحد إلى إيرلندا الشمالية لهذا السبب. فقلت له "لقد اكتسبت سمرة رائعة،" فأجاب "هل تعلم أن ذلك حصل بفضلك سيد بلير؟" فقلت "وكيف ذلك؟" أجاب "هل تذكر الحوار القصير الذي دار بيننا حول زوجتك وابنك المنتظر؟" وعندما أجبته بالإيجاب استطرد: "حسناً، في اليوم التالي توجهت إلى وكلاء المراهنات وراهنت على اسم الصبي بـ 1000 باوند."

يجب إذاً أن تكونوا متفائلين دائماً، هذا هو ما أنصحكم به.

شكراً لكم، شكراً.


كلمة السيد نجاد فارس ".
مساء الخير سيداتي وسادتي، أهلاً بكم في سلسلة محاضرات عصام م. فارس.
بالنيابة عن والدي وعن عائلة فارس، يسرّني أن أرحبّ بكم وأن أشكركم على دعمكم.

اسمحوا لي بأن اتوجه بشكر خاص الى الدكتور لاري باكو على صداقته وعلى الدّعم الكبير الذي أحاطنا به طوال هذه السنوات. كذلك، أشكر العميد جامشيد باروشا على جهوده المتواصلة التي بذلها بالنيابة عن جامعة تافتس.

كما أشكر صديقتنا العزيزة الدكتورة ليلى فواز، مديرة مركز عصام فارس وفريقها وذلك على النجاح الكبير الذي حققوه بمثابرتهم. نحن نقدر لك يا ليلى كل ما قدمته وما تقدمينه لهذه المؤسسة العريقة وطلاّبها.

قديم عملنا مع جامعة تافتس ومثمر. هذا هو خطابنا الحادي عشر، واعتقد أن ما قد يلفتكم فيه انما هو يعود الى حضور ضيفنا المميز الذي اختارته الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة للعمل على إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط. إنّه رئيس الوزراء السابق للمملكة المتحدة، دولة الرئيس طوني بلير.

سيد بلير، يشرفنا حضورك بيننا اليوم. وإنه من دواعي سرورنا واعتزازنا أن تكون انت والسناتور جورج ميتشل في عداد المتحدثين في سلسلة المحاضرات هذه.

تعاني منطقة الشرق الأوسط من الحروب والأعمال العدائيّة منذ أكثر من ستّين عاماً. ويشكّل النزاع العربي – الإسرائيلي العقبة الأساسيّة التي تعترض العلاقات بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي. لهذه المشكلة أبعاد تاريخيّة ولا يمكن حلّها إلا من طريق التدخّل المباشر من قبل قادة عظام من أمثال طوني بلير، متطلعين بثقة الى الرئيس الجديد باراك أوباما.

ستواجه الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة والحكومة الجديدة في إسرائيل مشكلةً قديمة على المستوى العالمي.
فالحرب في غزّة والمآسي الناجمة عنها ومسألة إحلال السلام في الشرق الأوسط باتت كلها أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. يجب أن يكون السلام منصفاً ومستداماً إذ إنّ إحلال السلام بالتجزئة لم ينجح في الماضي ولن ينجح الآن.

سيكون لبنان أكثر المستفيدين من السلام. أمّا بالنسبة إلى معظم الدول في المنطقة، فنحن نؤمن بأنّ إرساء السلام سوف يحدّ من سيطرة الحركات الأصوليّة وحركات الرفض. وعندئذٍ يستطيع اللبنانيون وسواهم التركيز على مسائل داخليّة ملحّة مثل الديمقراطية وبناء المؤسسات والحرية والتنمية الإقتصادية وحقوق الإنسان.

سيّد بلير نحن متشوقون للإصغاء إلى وجهة نظرك وإلى الحل الذي تقترحه لمعضلة الشرق الاوسط.