مقابلات
PrintEmail This Page
مقابلة مع مجلة الحوادث
13 أيار 2005
مقابلة نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب عصام فارس مع مجلة "الحوادث"

ما هي قراءتكم للوضع الراهن في لبنان؟
قراءتي؟ بالحقيقة احتار ماذا اقول! يبدو ان الحرب لم تعلمنا شيئاً! فها نحن، بعد ثلاثين سنة على اندلاعها وبعد مرور 15 عاماً على وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، عدنا الى ما كنا عليه قبلاً، الطائفية تتأجج، الخطاب الطائفي عاد ليحتل الصدارة في الاعلام، العصبيات، المحسوبيات، المحاصصات، التطرف، الأنانيات، تغليب المصالح الشخصية على مصلحة الوطن العليا وما زلنا نسرح ونمرح في ارجاء المزرعة السائبة، وعاد الاحتقان وشحن النفوس.
هل من اجل هذا تجمعت مئات الآلاف في ساحات وسط بيروت؟
هل من اجل وصول فلان الى النيابة وآخر الى الوزارة نزل الشباب من كل لبنان الى العاصمة؟
هل هكذا تعالج شؤوننا المصيرية؟
هل يجوز ان تستمر هذه الخفة وهذا الاستهتار في معالجة شؤون البلد وهل يجوز البقاء على هذين الارتجال والتسرع؟
هل هكذا نؤمن المستقبل الزاهي لأولادنا ولأجيالنا الطالعة؟
وكيف في ظل هذه الحالة، نعالج مشاكلنا الاقتصادية والمالية والاجتماعية والادارية؟
وكيف سنجد الحلول لأزمات البطالة والغلاء والدواء؟
وكيف سيعود المغتربون؟
لا بل كيف سنوقف الهجرة؟
وكيف سنسدّد الـ 35 مليار دين التي تراكمت علينا؟
وكيف وكيف...؟ تسألينني عن رأيي هذا هو رأيي!! ورحم من قال: "تسألني عن سقمي صحتي هي العجب"!


على من تضع المسؤولية في كل هذا؟

سأكون في غاية الصراحة. اني اضع المسؤولية والملامة اولاً على هذا النظام الطائفي المذهبي العائلي الشخصاني.
وأضعها ثانياً على فريق كبير من السياسيين الذين لا يرون الا مصالحهم.
انا افهم ان يكون لكل انسان طموح وهذا امر مشروع وطبيعي لا بل ضروري لأن من لا طموح عنده خامل لا جدوى منه ولا نفع، اما المرفوض فهو محاولة تحقيق الطموح على حساب الأخلاق والقيم والمُثُل العليا، من هنا ان كل الحلول والمخارج التي نضعها هي حلول مرحلية وموقتة لا تفي بالغرض.
هل يعقل انه بعد انقضاء اربع سنوات وعدة أشهر على الانتخابات الماضية لم نعمد الى المباشرة، واكرر المباشرة، بوضع قانون جديد للانتخابات. تركت الأمور حتى اللحظة الأخيرة ووضعت الطنجرة على نار حامية وبدأنا بالسلق وها هي النتيجة.
وانا شخصياً لم اترك مناسبة منذ ما بعد الانتخابات عام 2000 الا وطالبت بوجوب الانكباب على درس مشروع انتخابي كي لا يدهمنا الوقت ونقع في التسرع والخروج بقانون "ماشي الحال" وأفضل الممكن.
وعودة الى الموضوع. هذا النظام لا يرضيني على الاطلاق فانا ضد النظام الطائفي انا مع نظام يفصل الدين عن السياسة، انا مع نظام الدولة المدنية ومع نظام انتخابي على اساس احزاب غير طائفية.

ها هي حقيقة موقفكم من قانون الانتخاب؟

لقد اعلنت موقفي من هذا الموضوع بكل وضوح وصراحة ودون اي لبس او ابهام وقلت:
اذا كنا جميعاً ملتزمين بوثيقة الوفاق الوطني (الطائف)،
واذا كانت هذه الوثيقة نصت على قانون انتخاب على اساس المحافظة بعد اعادة النظر بالتقسيم الاداري، فلماذا فجأة اصبح قانون عام 2000 سيّد القوانين المطروحة؟
لقد بحّ صوتي وأنا اطالب بتحاشي صياغة قوانين على قياس اشخاص ومصالح افراد ولكن يبدو ان لا حياة لمن تنادي.

هل تعتقد انك مستهدف في منطقتك ومن له مصلحة في ذلك وانت المعروف عنك اعتدالك وانفتاحك على كل الأطراف وسعيك دائماً لتكون عامل مصالحة ووئام ووفاق؟

لا اعتقد ذلك، فأبناء عكار والشمال هم اهل وفاء واخلاص ولم الق منهم يوماً الا الالتفاف حول النهج الذي اختطته لنفسي. ولكن يوجد في كل زمان ومكان افراد، وان قلائل، يحاولون الابتزاز وان أفضل طريقة ازاءهم عدم الاكتراث واللامبالاة.

هل يعني انه اذا اقر قانون الـ 2000 ستعزف عن الترشيح؟

يجب ان يكون واضحاً انني لا انظر الى قانون الانتخاب نظرة شخصية فأنا لا مشكلة عندي بالنسبة لأي قانون، ولكن الموضوع يتجاوز شخصي الى مجمل القوى السياسية في البلد؛ لا بد من قانون انتخابي يرضي الأكثرية الساحقة من الناس- وها هي ردات الفعل امامنا، تعطي الدليل ان القانون لا يحظى بتوافق وطني مما يستدعي بطبيعة الحال اعادة النظر في الموضوع.

وما هو الحل؟

الحل العودة الى ما نصّ عليه الطائف، فاما التقيد به واما تعديله بالشكل الاجماعي الذي تمت صياغته.



معروف ان معظم السياسيين في لبنان يأخذون اكثر مما يعطون وانت ممن كسروا هذه القاعدة بأنك أعطيت، فالى اي مدى لا زلت مستعداً للعطاء؟

العطاء نعمة من الله والكرم كذلك. وهذه النعمة من الباري تعالى ارجو ان تلازمني مدى العمر.

هل انت مرتاح للحكومة الجديدة ولاداء رئيسها الذي يبدو كأنه برهان على النجاح في اخراج البلد من ازمته يحاول ان يسجل لنفسه انجازاً يعوض عن ترشيح نفسه للانتخابات المقبلة؟

جوابي على هذا السؤال ورد في كلمتي امام مجلس النواب في جلسة مناقشة البيان الوزاري حيث نوّهت بتشكيل الحكومة من وزراء غير مرشحين للانتخابات، كما ركّزت على ضرورة فصل النيابة عن الوزارة معتبراً ذلك من الأمور الأساسية في اصلاح نظامنا السياسي لأن الجمع بين الموقعين يتناقض مع مبدأ فصل السلطات فكيف يمكن للنائب الوزير ان يكون المنفذ والمحاسب بنفس الوقت، فضلاً عن ان النائب الذي يطمح الى مقعد وزاري يفقد من قدرته على محاسبة الحكومة والوزير الذي يطمح الى مقعد نيابي يفقد من قدرته على الوقوف بوجه الشفاعات والوساطات والمطالب غير المحقة،
وفي كل حال قلت واؤكد ان ثقتي بالحكومة رهن بقانون الانتخاب وسأبني على الشيء مقتضاه عندما ينجلي موقفها النهائي منه.

على اي واقع سياسي جديد نحن مقبلون بعد الانتخابات النيابية انطلاقاً من قراءتك للمعطيات والمؤشرات المستجدة؟

الأمر يتوقف على النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات النيابية، على اية اكثرية واية اقلية، ولكن يتراءى لي انه اذا تم اعتماد قانون الألفين وبقيت "الكيلة في الطاحون"، فالتغيير سيكون محدوداً.

هل تعتقد اننا مقبلون على مرحلة جديدة فيها ايضاً الغالب والمغلوب، وهل ستكون سياسة الاستبعاد والغلبة من نصيب المسيحيين مرة جديدة؟

لا اتمنى ذلك على الاطلاق، لأن لبنان دون الوجود المسيحي الفاعل والايجابي لا قيمة له، ومن مصلحة المسلمين قبل المسيحيين ان يبقى هذا الوجود المميّز، لكي نعطي للعالم نموذجاً يقتدى به عن كيف تلتقي في هذا الوطن الصغير المعتقدات والحضارات والثقافات- اذ كيف يمكن للحوار بينها ان ينجح على مستوى الكرة الأرضية اذا استحال نجاحه على مستوى العشرة آلاف كيلومتر مربع.

الى اي مدى قد تم تدويل الوضع في لبنان؟ وهل ستكون هناك وصاية جديدة على البلد فرنسية ام اميركية ام امم متحدة؟

ان مساعدة لبنان دولياً للنهوض واستعادة عافيته واسئناف دوره المحلي والخارجي امر لا يمكن ان نرفضه ولكن ما نرفضه هو استبدال وصاية بأخرى من اي نوع كانت؛ لقد آن للبنان ان يقرر مصيره بنفسه دون اية تدخلات تحد من سيادته واستقلاله وحريته.

انطلاقاً من اطلاعك الواسع، وانت كنت اول من قال ان الانسحاب السوري سيكون كاملا وشاملاً، هل ان تسليم سلاح حزب الله والمخيمات سيتم عسكرياً او تفاوضياً سلمياً؟


انا من القائلين ان الأمرين يجب ان يتحققا بالتفاوض ووفقاً للمعطيات والمستجدات التي طرأت على الأرض- فبالنسبة للموضوع الفلسطيني رحبنا بكلام الرئيس محمود عبّاس الذي اعلن ان السلاح الفلسطيني هو بتصرّف السلطة اللبنانية وان كانت تصريحات فلسطينية اخرى قالت شيئاً آخر؛
اما بالنسبة لسلاح حزب الله فاذا كان محصوراً بمزارع شبعا فالحل يكون اسهل، اما اذا كان ابقاؤه رهن بانتهاء الصراع العربي الاسرائيلي فالأمر يصبح اقل سهولة.
من الواضح ان الاقتصاد لم ينهر بفعل قرار خارجي بعدم السماح بانهياره فالى اي مدى سيكون الدعم المادي والاقتصادي للبنان للنهوض من كبوته الاقتصادية والمالية؟

اعتقد ان علينا ان ندعم انفسنا قبل ان ننتظر الدعم الخارجي اذ لا يمكن – ولا يجوز- لغير اللبناني مهما كان يحبنا ان يكون لبنانياً اكثر من اللبناني نفسه. ولذا سبق وقلت ان علينا ان نعقد (بيروت واحد) قبل (باريس ثلاثة)، وان نخلق الأجواء السياسية الملائمة التي تجعل الخارج يتشجع لمساعدتنا. فالثقة امر مهم للغاية. ماذا نفّذنا ممّا وعدنا به في باريس 2؟ تعهدنا بزيادة الواردات وتقليص النفقات ووقف الهدر واجراء الاصلاح الاداري وخصخصة بعض المرافق ولكن مع الأسف لم نتمكن من الوفاء بتعهداتنا. فاذا المسؤولية تقع علينا اولاً والباقي يأتي.